كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزَّجَّاج بعد حكايته مَذْهَبَ الفراء: وهذا القَوْلُ لم يَقْبَلُهُ النحويون القُدَمَاءُ وهو خَطَأٌح لأنَّ قولك: أرأيت زَيْدًا ما شأنه لو تعدَّتِ الرؤية إلى الكاف وإلى زيد لصار المعنى: أرَأتْ نَفْسُكَ زيدًا ما شأنُهُ وهذا مُحَالٌ ثم ذكر مذهب البصريين.
وقال مكِّي بن أبي طالبٍ بعد حكايته مَذْهَبَ الفرَّاءِ: وهذا مُحَالٌ، لأنَّ التاء هي الكاف في أرأيتكم، فكان يجب أن تُظْهَرَ علامةُ جمع التاء وكان يجب أن يكون فاعلان لفعلٍ واحدٍ وهما لِشَيءٍ واحد، ويجب أن يكون معنى قولك: أرأيتك زَيْدًا ما صَنَعَ: أرأيْتَ نَفْسَكَ زَيْدًا ما صنع؛ لأن الكاف هو المُخَاطَبُ، وهذا مُحَالٌ في المعنى، ومُتَنَاقِضٌ في الإعراب والمعنى؛ لأنك تَسْتَفْهِمُ عن نفسه في صَدْرِ السُّؤال، ثم ترد السؤال إلى غيره في آخره وتخاطبه أولًا، ثم تأتي بغائبٍ آخر، أو لأنه يَصِيرُ ثلاثة مفعولين لرأيت، وهذا كله لا يَجُوزُ.
ولو قلت: أرأيتك عالمًا بزيد لكان كلامًا صحيحًا، وقد تعدَّى رأى إلى مفعولين.
وقال أبو البقاء بعدما حكا مذهب البصريين: والدَّليلُ على ذلك أنها- أي الكاف- لو كانت اسْمًا لكانت: إمَّا مَجْرُورةً- وهو باطلٌ إذ لا جارَّ هنا- وإمَّا مَرْفثوعَةٌ، وهو باطِلٌ أيضًا لأمرين:
أحدهما: أن الكاف ليست من ضمائر الرفع.
والثاني: أنها لا رَافِع لها؛ إذا ليست فاعلًا؛ لأن التاء فاعل، ولا يكون لفعل واحدٍ فاعلان، وإمَّا أن تكون مَنْصُوبةً، وذلك باطلٌ لثلاثة أوجه:
أحدها: أن هذا الفِعْلَ يتعدَّى إلى مَفْعُولينِ كقولك: أرأيت زيدًا ما فعلَ فلو جعلت الكاف مفعولًا كان ثالثًا.
والثاني: أنه لو كان مَفْعُولًا لكان هو الفاعل في المَعْنَى، وليس المعنى على ذلك، إذ ليس الغَرَضُ أرأيت نفسك، بل أرأيت غيرك، ولذلك قلت: أرأيتك زيدًا وزيد غير المُخَاطَبِ، ولا هو بدل منه.
والثالث: أنه لو كان مَنْصُوبًا على أنه مَفْعُولٌ لظَهَرتْ علامةُ التثنية والجمع والتَّأنيث في التاء فكنت تقول: أرأيتماكما، أرأيتموكم، أرأيتكنَّ.
ثم ذكر مَذْهَبَ الفرَّاءِ ثم قال: وفيما ذكرنا إبطالٌ لمذهبه.
وقد انْتَصَرَ أبو بكر بن الأنْبَاريّ لمذهب القرَّاء بأن قال: لو كانت الكافُ توكيدًا لوقَعت التَّثْنِيَةُ والجمع بالتاء، كما يَقَعَانَ بها عند عدم الكاف، فلمَّا فُتِحت التاءُ في خِطَابِ الجَمْعِ ووقع مِيْسَمُ الجمع لغيرها كان ذلك دَلِيلًا على أن الكاف غيرُ توكيد.
ألا ترى أن الكاف لو سَقَطَتْ لم يَصلُحْ أن يُقالَ لجماعة: أرأيت، فوضحَ بهذا انْصِرافُ الفِعْلِ إلى الكاف، وأنها واجبةٌ لازَمَةٌ مُفْتَقَرٌ إليها.
وهذا الذي قاله أبُو بَكْرٍ بَاطِلٌ بالكاف اللاحِقَةِ لاسم الإشارة، فإنها يَقَعُ عليها مِيْسَمُ الجَمْعِ، ومع ذلك هي حرفٌ.
وقال الفراء: موضعُ الكاف نصب، وتأويلها رَفْعٌ؛ لأن الفعل يِتَحَوَّلُ عن التاء إليها، وهي بِمَنْزِلِةِ الكاف في دونك إذا أغْريَ بها، كما تقول: دُونَكَ زيدًا فتجد الكاف في اللَّفْظِ خَفْضًا، وفي المعنى رفعًا؛ لأنها مَأمُورةٌ، فكذلك هذه الكافُ موضعُها نصبٌ، وتأويلها رفع.
قال شهابُ الدين: وهذه الشُّبْهَةُ بَاطِلةٌ لما تقدَّم، والخلافُ في دونك وإليك وبابهما مَشْهُورٌ تقدَّم التَّنْبِيهُ عليه مرارًا.
وقال الفرَّاءُ أيضًا كلامًا حَسَنًا رأيت أن أذكره فإنه مُبِينٌ نَافِعٌ قال: للعرب في أرأيت لغتان ومعنيان:
أحدهما: رؤية العَيْنِ، فإذا رأيت هذا عَدَّيْتَ الرؤية بالضمير إلى المُخَاطَبِ، ويتصرَّفُ سِائِرِ الأفعال، تقول للرجل: أرأيتك على غير هذه الحالِ، تريدُ: هل رأيت نفسك، ثم تُثَنِّي وتَجْمَعُ فتقول: أرَأيْتُمَاكُمَا، أرَأيْتُمُوكُمْ، أرَأيْتُكُنَّ.
والمعنى الآخر: أن تقول: أرأيتك وأنت تريد معنى أخبرني، كقولك: أرأيتك إنْ فَعَلْتُ كذا ماذا تَفْعَلُ، أي: أخبرني، وتترك التاء إذا أردت هذا المعنى مُوَحَّدةً؛ لأنهم كل حالٍ تقول: أرأيتكما، أرأيتكم، أرأيتكنَّ، وإنما تركتِ العربُ التاء واحدةً؛ لأنهم لم يريدوا أن يكون الفِعْلُ واقعًا من المُخَاطَبِ على نفسه، فاكْتَفَوْا من علامةِ المُخاطبِ بذكره في المكان، وتركوا التاء على التذكير والتوحيد إذا لم يكون الفَعْلُ واقعًا، والرُّؤيَةُ من الأفعال الناقصة التي يُعَدِّيها المُخَاطبُ إلى نفسه بالمكنى مثل: ظنتني ورأيتني، ولا يقولولن ذلك في الأفْعَالِ التَّامةِ، لا يقولون خارجًا؟ وذلك أنَّهم أرَادُوا الفَصْلَ بين الفعلِ الذي قد يُلْغَى، وبين الفعل الذي لا يَجُوزُ إلْغَاؤهُ، ألا ترى أنك تقول: أنا أضُنُّ خَارجٌ فتلغي أظن وقال الله تعالى: {أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 7] ولم يَقُل: رأى نَفْسَهُ.
وقد جاء في ضرورة الشعر إجْرَاءُ الأفعال التامة مُجْرَى النواقص؛ قال جِرَانُ العَوْدِ: [الطويل]
لَقَدْ كَانَ لِي عَنْ ضَرَّتَيْنِ عَدِمْتُنِي ** وَعَمَّا ألاَقِي مِنْهُمَا مُتَزَحْزحُ

والعربُ تقول: عَدِمءتني ووَجَدْتُني وليس بوجه الكلام. انتهى.
واعلم أنَّ النَّاس اختلفوا في الجملة الاستِفْهَامِيَّةِ الواقِعَةِ بعد المنصوب بأرأيتك نحو: أرأيتك زَيْدًا ما صنع؟
فالجمهور على أنَّ زيدًا مفعول أوَّل، والجملة بعده في مَحَلِّ نصبٍ سادَّةً مَسَدَّ المفعول الثاني.
وقد تقدَّم أنه لا يجُوزُ التَّعْلِيقُ في هذه، وإن جاز في غيرها من أخَوَاتِهَا نحو: علمت زيدًا أبو مَنْ هو.
وقال ابن كَيْسَان: إن هذه الجملة الا ستفهاميَّة في أرأيت زيدًا ما صنع بَدَلٌ من أرأيتك.
وقال الأخْفَشُ: إنه لابد بعد أرأيت التي بمعنى أخبرني من الا سم المُسْتَخْبَرِ عنه، ويَلْزَمُ الجُمْلَةَ التي بعده الاستفهام؛ لأن أخبرني موافق لمعنى الاستفهام.
وزعم أيضًا أنها تخرج عن بابها، فتكون بمعنى أما أو تنبَّه، وحينيذٍ لا يكونُ لها مَفْعُولانِ، ولا مَفْعُولٌ واحدٌ، وجعل من ذلك: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة فَإِنِّي نَسِيتُ الحوت} [الكهف: 63].
وهذا يبغي ألاَّ يجوز؛ لأنه إخْرَاجٌ لِلَّفْظةِ عن موضوعها من غير دَاعٍ إلى ذلك.
إذا تقرَّرَ هذا فَيْلُرْجَعْ إلى الآية الكريمة فَنَقُولُ، وبالله التوفيق: اختلف النَّاسُ في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المفعول الأول، والجملة الاستفهامية التي سدَّت مسدَّ الثاني مَحْذُوفانِ لفهم المعنى، والتقديرُ: أرأيتكم عبادتكم الأصْنَامَ هل تنفعُكمُ؟ أو اتِّخَاذكُمْ غَيْرَ الله إلهًا هَلْ يِكشِفُ ضُركم؟ ونحو ذلك، ف عِبَادَتَكُمْ أو اتِّخاذكم مفعول أوّل، والجملة الاستفهامية سادَّةٌ مسدَّ الثَّاني، والتاء هي الفاعل، والكاف حرف خطاب.
الثاني: أن الشَّرْطَ وجوابَهُ- وسيأتي بَيَانُهُ- قد سدَّا مَسَدَّ المفعولين؛ لأنهما قد حَصَّلا المعنى المقصود، فلم يَحْتَجْ هذا الفعل إلى مَفْعُولٍ، وليس بشيء؛ لأن الشَّرْطَ وجوابه لم يُعْهَدْ فيهما أن يَسُدَّا مَسَدَّ مفعولي ظَنَّ، وكونُ الفاعلِ غيرَ مُحْتاجٍ لمفعول إخْرَاجٌ له عن وضعه، فإن عنى بقوله: سَدَّا مَسدَّهُ أنَّهُمَا دَالاَّنِ عليه فهو المُدَّعَى.
والثالث: أن المفعول الأوَّل محذوفٌ، والمسألةُ من باب التَّنازُعِ بين أرأيتكم وأتاكم، والمُتنازعُ فيه لَفْظُ العذاب وهذا اختيرا أبي حيَّان، ولنُورِدْ كلامه ليظهر فإنه كلامٌ حسنٌ قال: فنقول: الذي نَخْتَارُهُ أنها بَقِيَةٌ على حكمها في التعدِّي إلى اثنين، فالأوَّل منصوب، والثاني لم نَجِدْهُ بالاسْتِقْرَاءِ إلاَّ حملة استفهاميةً أو قَسِمِيَّةً.
فإذا تقرَّرَ هذا فنقول: المفعول الأول في هذه الآية مَحْذُوفٌ، والمسألة من باب التَّنازُعِ، تنازع أرأيتكم والشرط على عذاب الله فأعمل الثَّاني، وهُو أتاكم، فارتفع عذاب به، ولو أعمل الأوَّل لكان التَّرْكيب: عذاب بالنَّصْبِ، ونظير ذلك اضرب إنْ جاءك زيد على إعْمَالِ جاءك، ولو نصب لجاز، وكان من إعمال الأوَّل.
وأمَّا المفعول الثَّاني، فهو الجملة من الاستفهام أغَيْرَ الله تَدْعُونَ والرَّابِطُ لهذه الجملة بالمعفول الأوَّل المحذوف مَحْذُوفٌ تقديره: أغَيْرَ الله تدعون لِكَشْفِهِ، والمعنى: قل: أرأيتكم عذابَ الله إن أتاكم- أو السَّاعة إن أتتكم- أغَيْرَ الله تَدْعُونَ لكشفه، أو لكشف نَوازِلها. انتهى.
والتقدير الإعْرَابيُّ الذي ذكره يَحْتَاجُ إلى بضع إيْضَاحٍ، وتقديره: قل: أرأيتكموه أو أريتكم إيَّاهُ إن أتاكم عَذابُ الله، فذلك الضمير هو ضَمِيرُ العذابِ لمَّا عَمِلض الثَّاني في ظاهره أعْطِيَ المُلْغَى ضَمِيرَهُ، وإذا أضْمِرَ في الأوَّل حُذِفَ ما لم كن مَرْفُوعًا، أو خبرًا في الأصْلِ، وهذا الضمير ليس مَرْفُوعًا، ولا خبرًا في الأصل، فلأجل ذلك حُذِفَ ولا يَثْبُتُ إلاَّ ضَرُورَةً.
وأمَّا جوابُ الشَّرْط ففيه خَمسةُ أوجهٍ:
أحدهما: أنه مَحْذُوفٌ، فقدَّرهُ الزمخشري: إن أتاكم عذابُ الله مَنْ تدعون.
قال أبو حيَّان: وإصْلاحُهُ أن تقول: فَمَنْ تَدْعُون بالفاء؛ لأن جواب الشَّرْطِ إذا وقع جُمْلَةً اسْتفهامِيَّةً فلابد فيه من الفاء.
الثاني: أنه أرأيتكم، قاله الحُوفي، وهو فَاسِدٌ لوجهين:
أحدهما: أنّ جواب الشرط لا يتقدَّمُ عند جمهور البصريين، إنما جوَّزه الكوفيون، وأبو زيدٍ، والمُبَرِّدُ.
والثاني: أن الجملة المُصدِّرة بالهمزة لا تقعُ جوابًا للشَّرْطِ ألْبَتَّةً، إنما يقع من الاسْتِفْهَامِ ما كان بهل أو اسْم من أسْمَاءِ الاستفهام، وإنما لم تَقعِ الجُمْلَةُ المصدَّرةُ بالهمزة جوابًا؛ لأنه لا يخْلُو: أن تأتي معها بالفاء، أو لا تأتي بها، لا جَائِز ألاَّ تأتي بهاح لأن كُلَّ ما لا يَصْلُحُ شرطًا يجب اقْتِرَانُهُ بالفاء إذا وقع جوابًا.
ولا جَائِزَ أن تأتي بها؛ لأنك: إمَّا أن تأتي بها قَبْلَ الهمزة، نحو: ن قمت فأزيد مُنْطَلِقٌ، أو بعدها نحو: أفَزَيدٌ مُنْطَلِقٌ، وكلاهما مُمْتَنِعٌ، أمَّا الأوَّل فلتَصَدُّرِ الفاء على الهمزة.
وأما الثَّاني، فإنه يُؤدِّي إلى عدم الجواب بالفاء في موضع كان يجبُ فيه الإتْيَانُ بها وهذا بخلاف هل، فإنك تأتي بالفاءِ قبلها، فنقول: إن قمت فهل زيد قَائِم؛ لأنه ليس لها تمامُ التصدير الذي تَسْتَحِقُهُ الهمزة، ولذلك تَصَدَّرتْ على بعض حروف العطفِ، وقد تقدَّم مشروحًا مرارًا.
الثالث: أنه أغير الله وهو ظَاهِرُ عِبَارَةِ الزمخشري، فإنه قال: ويجوز أن يتعلَّق الشَّرْطُ بقوله: أغير اللَّهِ تدعون، كأنه قيل: أغير الله تَدْعُون إن أتاكُمْ عَذابُ الله.
قال أبو حيَّان: ولا يجوز أن يتعلِّق الشرطُ بقوله: أغير الله؛ لأنه لو تعلَّقَ به لكانَ جوابًا له، لكنه لا يقع جوابًا، لأن جواب الشَّرْط إذا كان اسْتِفْهامًا بالحرف لا يَقَعُ إلا بهل وذكر ما قدَّمْتُه إلى آخره، وعزاه الأخفَشُ عن العرب، ثم قال: ولا يجوز أيضًا من وجْهْ آخر؛ لأنَّا قد قرَّرْنَا أنَّ أرأيتك مُتعدِّيةٌ إلى اثنين؛ أحدهما في هذه الآية محذوفٌ، وأنه من باب التَّنازُعِ، والآخر وقعت الجُملةُ الاستفهَامِيَّةُ موقعه، فلو جَعَلْتَهَا جواب الشَّرْطِ لبقيت أرأيتكم مُتعدِّيَةً إلى واحدٍ، وذلك لا يجوز.
قال شهابُ الدين: وهذا لا يَلْزَمُ الزمخشري، فإنه لا يرتضي ما قاله من الإعراب المُشَارِ إليه.
قوله: يلزم تعدِّيهَا لِوَاحِدٍ.
قلنا: لا نُسَلَّمُ، بل يتعدَّى لاثْنَيْنِ محذوفين ثانيهما جملة الاستفهام، كما قدَّره غَيْرُهُ: بأرأيتكم عبادتكم هل تنفعكم ثم قال: وأيضًا التزامُ العرب في الشَّرْط الجائي بعد أرأيت مُضِيَّ الفعل دليلٌ على أنَّ جوابَ الشرط محْذُوفٌ، لأنه لا يُحْذَفُ جوابُ الشرط إلاَّ عند مُضِيَّ فِعْلِهِ، قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله} [الأنعام: 47] {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله} [الأنعام: 46] {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله} [القصص: 71] {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ} [يونس: 50] {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} [الشعراء: 205] {أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى} [العلق: 31] إلى غير ذلك من الآيات.
وقال الشاعر: [الرجز]
أرَيْتَ إنْ جَاءَتُ بِهِ أمْلُودَا

وأيضًا مَجيءُ الجملة الاستفهاميَّةِ مصدَّرةً بمزة الاستفْهَامِ دليلٌ على أنها ليست جوابَ الشَّرْط، إذ لا يَصِحُّ وُقُوعُهَا جوابًا للشرط انتهى.
ولمَّا جوَّز الزمخشري أن الشَّرْطَ مُتعلِّقٌ بقوله: {أغَيْرَ الله} سأل سؤالًا، وأجاب عنه، قال: فإن قلت: إن علّقت الشِّرْط به، فما تصْنَعُ بقوله: {فَيَكْشِفُ ما تَدْعُون إليه} مع قوله: {أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة}، وقوارعُ السَّاعةَ لا تُكْشَفُ عن المشركين؟
قلت: قد اشترط في الكَشْفِ المَشِيئِةَ وهو قوله: إنْ شَاءَ إيذَانًا بأنه إنْ فَعَلَ كان له وَجْهٌ من الحكمة، إلا أنه لا يَفْعَلُ لِوَجْهٍ آخرَ من الحكمة أرجح منه.
قال أبو حيَّان: وهذا مَبْنِيُّ على أن الشَّرطَ متعلقٌ بـ {أغير الله} وقد اسْتَدْلَلْنَا على أنه لا يَجُوزُ.
قال شهابُ الدين: ترك الشَّيخُ التَّنْبِيهَ على ما هو أهَمُّ من ذلكن وهو قوله: إلاَّا أنه لا يقعل لوجهٍ آخر من الحِكْمَةِ أرْجَحَ منه وهذا أصْلٌ فاسدٌ من أصُولِ المعتزلة يزعمون أن أفعاله- تعالى تابعةٌ لمصالحَ وحكم، يترَّجحُ مع بعضها الفعلُ، ومع بعضها التركُ، ومع بضعها يَجبُ الفعلُ أو الترك، تعالى الله عن ذلك، بل أفْعِالُهُ لا تُعَلَّلُ بغرضٍ من الأغراض، {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَل} [الأنبياء: 23]، كما تقرر في علم الأصول.
الرابع: أن جوابَ الشَّرْطِ محذوف تقديره: إن أتاكم عذابُ الله، أو أتتكم السَّاعَةُ دَعَوْتُمْ ودَلَّ عليه قوله: {أغير الله تدعون}.
الخامس: أنه مَحْذُوفٌ أيضًا، ولكنه مُقدَّرٌ من جِنْسِ ما تقدَّم في المعنى، تقديره: إن أتاكم عذابُ الله، أو أتتكم السَّاعةُ فأخبروني عنه أتَدْعُونَ غير الله لِكَشْفِهِ، كما تقول: أخبرني عن زيدٍ إن جاءك ما تصنعُ به، أي إن جاءك فأخْبِرْنِي عنه، فحذف الجوابُ لدلالة أخبرني عليه، ونظيرُهُ: أنت ظَالِمٌ إن فعلت، أي: فأنت ظَالِمٌ، فحذف فأنت ضَالِمٌ لدلالة ما تقدَّم عليه.
وهذا ما اختارَهُ أبو حيَّان.
قال: وهو جارٍ على قواعدِ العربية وادَّعى أنه لم يَرهُ لغيره.
قوله: {أَغَيْرَ الله تَدْعُون}.
{غَيْرَ} مفعول مُقدَّمٌ لـ {تَدْعون}، وتقديمُه: إمَّا للاخْتِصَاصِ كما قال الزمخشري: بَكَّتَهُمْ بقوله: أغير الله تَدْعُون، بمعنى: أتَخُصُّونَ آلهتكم بالدَّعْوةِ فميا هو عَادَتُكُمْ إذا أصَابَكُمْ ضُرُّ، أم تدعون الله دونها، وإمَّا للإنْكَارِ عليهم في دُعَائِهِمْ للأصْنَامِ، لأن المُنْكَرِ إنما هو دُعَاءُ الأصْنَام لا نَفْسُ الدُّعاء، ألا ترى أنك إذا قلت: أزَيْدًا تضربُ إنما تُنْكِرُ كَوْنَ زيد محلاَّ للضَّرْب، ولا تُنْكِرُ نَفْسَ الضرب، وهذا من قَاعِدَةِ بَيَانِيَّةٍ قدمت التنبيه عليها عند قوله تعالى: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني} [المائدة: 116].
قوله: {إنْ كُنْتُمْ صادقِينَ} جوابه مَحْذُوفٌ لدلالة الكلام عليه، وكذلك مَعْمُولُ صَادِقِنَ، إن كنتم صَادِقينَ في دعْوَاكُمْ أنَّ غير الله إلهٌ، فهل تَدْعونه لِكَشْفِ ما يَحُلُّ بكم من العذابِ؟. اهـ.